مدينة غراس ..
وهي تدين لصناعة العطور بالكثير، فنسبة 10 بالمئة من سكانها البالغ عددهم 52 ألفا موظفون في معامل العطر التقليدية فيها.
وقد ساعد مناخها المعتدل المشمس على زراعة الأزهار والنباتات المستعملة في صناعة العطور، مثل الياسمين وزهر البرتقال.
وتعود صناعة العطور في مدينة غراس إلى القرن السادس عشر، إذ كان المدينة معروفة أيضا بدباغة الجلود وصناعة المواد الجلدية.
ولأن الدباغة تطلق رائحة كريهة فكر الدباغون في استعمال العطر لإزالة هذه الروائح، وكان، في بادئ الأمر، كل واحد منهم ينتج عطره الخاص به،
ثم أصبحت صناعة العطور مستقلة بذاتها لزيادة الطلب عليها، خاصة في البلاط الملكي، آنذاك، إلى جانب حقائب اليد الجلدية.
وانتشرت زراعة أزهار ونباتات جديدة، فضلا عن الياسمين وزهر البرتقال، مثل الميموزا وغيرها، وأصبحت أوروبا كلها تأتي إلى غراس لاقتناء المادة الأولية لصناعة العطور.
ولما كان الاستحمام المتكرر أمرا غير محبذ في أوروبا وقتها، كان على الناس الإكثار من التعطر لإزالة روائح الجسد الكريهة، وكان النبلاء منهم يغيرون العطر كل يوم تعبيرا عن مكانتهم الاجتماعية.
ولا تزال معامل العطر العريقة إلى اليوم في غراس مثل فراغونار وغاليمار، وتعتبر المادة الأولية لصناعة العطور المنتجة في غراس هي الأكثر شهرة في العالم.
وتركز صناعة العطور في غراس اليوم على الجودة والتميز والفخامة، سعيا لاستمرار سمعة المدينة التاريخية باعتبارها علامة فارقة في عالم العطور.
ويجد في مدينة غراس المتحف العالمي للعطور، الذي يروي تاريخ المدينة ودور العطور في حياة الإنسان على مر العصور.
ورثت أوروبا أغلب طرقها من العرب وكان أكثر الناس اهتماما بعلم العطور هم الهونجاريين الذين أضافوا الكحول إلى صناعة العطور

والذي أطلق عليه فيما بعد ماء هنغاريا نسبة للهنجاريين
ومن الملكات اللاتي اهتموا بصناعة العطور هي كاترين دي ميديشي ملكة فرنسا التي كلفت صانع العطور الخاص بها
(رينى لن فلورينتن) بإدخال أنواع جديدة من العطور ولكن لم يعرف أي شيء عن طرقه وذلك لسرية مختبره،
خلال عصور النهضة تمكنت فرنسا من السيادة في مجال صناعة العطور فقد كان يصنع في جنوب فرنسا أهم العطور ومستحضرات التجميل العالمية،
وعرفت طائفة في فرنسا خلال القرن السابع عشر باسم (صناع العطور) والتي كان لها تأثير ضار في بعض الحالات
حيث كانت تستخدم مواد سامة في صناعتها للعطور فعلى سبيل المثال توفيت إحدى الأميرات الفرنسيات بسبب استخدامها للعطور
في تجميل بشرتها والتي أثرت على سمعة هذه الطائفة، واهتم ملوك فرنسا جميعا بالعطور فخلال القرن الثامن عشر كان الملك لويس الخامس عشر
مهتم جدا بالعطور فقد كانت عربته الملكية تدهن كل صباح بالعطور وكان أثاثه يدهن يوميا بالعطور
وكانت ملابسه تظل داخل إناء العطور لعدة أيام، ولم يهتم الملك لويس الخامس عشر بالعطور في حياته الخاصة فقط بل أمر بتحويل
بعض المزارع إلى مزرعة للنباتات العطرية.

ومن الملوك المهتمين بالعطور أيضا نابوليون بونبارت الذي عرف عنه بالاهتمام بالترف فقد اهتم أيضا بدهن العربة الملكية
بالعطور ويقال أنه في وقت من الأوقات كان يستخدم 60 زجاجة من عطر الياسمين في الشهر وكان أحب العطور إليه هو عطر الجوزفين
لاحتوائه على المسك العربي الأصيل، في إنجلترا لم تكن صناعة العطور شيء مهما إلا بعد مجئ هنرى الثامن الذي أدخل هذه الصناعة إلى إنجلترا
وأيضا الملكة إليزابيث الأولى أهتمت كثيرا بصناعة العطور حيث يقال أنها لم تكن تستطيع تحمل أي رائحة كريهة الأمر الذي سبب لها مرض في لسانها
وكانت السيدات تأتي إلى بيت الملكة إليزابيث للتنافس في أفضل العطور رائحة،
وحدث التغيير الكبير عندما جاءت الكيمياء الحديثة فقد شهدت صناعة العطور تقدما عظيما بعد الثورة الصناعية الكبرى
كما بدأ استخدام العطور بشكل شائع في كل طبقات الشعب بل وعندما كان سعر العطور يزيد تحدث مظاهرات في لندن،
قبل وصول الكيمياء الحديثة إلى الأمريكتين كانت هناك وصفة شعبية تعتمد على مياه من نهر فلوريدا (لاعتقادهم في جمال رائحته)
ثم يخلط مع قرنفل وقرفة صينية وأوراق الليمون ،وتطورت طريقة صناعة العطور لتصبح استخدام مذيباً نقياً يتم استخراجه من النفط.
ثم يدور هذا المذيب علي تيجان الأزهار النضرة إلي أن يصبح مركزاً بالعطر،
ويتم فصل المذيب بواسطة عملية التقطير.
ويُنقى العطر بالكحول ويكمن حالياً تركيب العطور من مواد كيميائية
بحيث تبدو وكأنها روائح طبيعية وأصبحت صناعة العطور لها شركات كبرى متخصصة في هذا المجال.